الخميس، 29 ديسمبر 2011

ذاكرة التاريخ >> غزة وعام على العدوان



رسالة فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين:
 غـــزة وعــام علـى العــــدوان 

31/12/2009 م
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين  سيدنا محمد النبي الأمي  وعلي آله وصحبه الطيبين الطاهرين  وبعد ....
فقد مضي عام  علي العدوان الصهيوني البربري علي غزة الصامدة  المجاهدة  فحق علينا وعلي أحرار العالم أن نبعث لها بتحية الإكبار والإعزاز .


تحية لهذا الصمود الأسطوري في وجه آلة الحرب الصهيونية وهذه التضحية الغالية  والإيمان العميق والصبر الجميل، فرغم قوافل الشهداء والجرحى والمعاقين فها هي غزة بعد عام من الحرب الشرسة تبدو رافعة الرأس شامخة الهامة قوية برجالها ونسائها وشبابها وأطفالها, هؤلاء الذين جسدوا معاني وقيم الشجاعة والإقدام والتضحية والصبر كما جسدوا للعالم كله المعني الحقيقي للكرامة والإباء والشمم رغم القتل والحصار والتجويع .


تحية لكل قطرة دم طاهر سالت علي ثري غزة وسلام علي أهلها وشهدائها وشيبها وشبابها ودروبها وأحيائها ومساجدها ومآذنها العامرة والمُدمَّرة في "بيت لاهيا" و "جباليا" و "حي الزيتون" و"الشجاعية " وتحية لك يا فلسطين كل فلسطين من البحر إلي النهر ومن رفح إلي جنين ومن النقب إلي الجليل .


لقد كان علي حماس أن تدفع ضريبة الفوز في انتخابات حرة ديمقراطية حقيقية تابعها العالم بأسره وتسلمت السلطة علي إثرها فانقلب العالم شرقه وغربه وأدار لها ظهره, كيف لها أن تنتزع السلطة ممن داسوا كرامة الوطن وخضعوا للمحتل الغاصب؟!
وكيف لها وهي الحركة الإسلامية المجاهدة التي تسلك طريق المقاومة أن تنال رضا الأنظمة المستبدة ؟! وهي التي كانت سببا في فضحها أمام شعوبها المقهورة وأمام الرأي العام العالمي 


فأطلقوا عليها الأوصاف التي تنال من تاريخها وجهادها مثل "الإمارة الظلامية" و "غزستان"
 ومن ثم كانت الحرب الظالمة المدمرة .


لقد كانت حرب غزة اختبارا حقيقيا للمجتمع الدولي الذي يكيل بمكيالين والذي يتشدق بالحرية وحقوق الإنسان


فقد أوقعت الحرب حسب تقرير منظمة العفو الدولية 1440 شهيدا, 5380 جريحا إضافة إلي تدمير 14 ألف منزل, 68 مؤسسة حكومية, 31 مقرا لمنظمات غير حكومية, 53 مؤسسة تابعة للأمم المتحدة, 60 مؤسسة صحية بما في ذلك 15 مستشفي وتدمير 29 سيارة إسعاف واستشهاد 16 من الطواقم الطبية بالإضافة إلي تدمير 50% من شبكات المياه, 55% من شبكات الكهرباء وتوقف 3900 منشاة صناعية عن العمل بعد ضربها وتدميرها .


رغم ذلك لم تركع غزة وصمدت حتى النهاية فكان الحصار والتجويع لإذلالها وإجبارها علي الركوع والتسليم .


لقد صدرت قرارات وتوصيات لرفع الحصار عن غزة من أكبر المنظمات في العالم بدءََا بالأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية ،


وصدر تقرير محكمة الجنايات الدولية للقاضي "جولدستون" الذي أدان فيه العدوان وطالب بمعاقبة الجناة الصهاينة ومحاكمتهم لكن دون جدوى وكأنها صيحة في واد ونفخة في رماد .
وقد استمر الحصار الدولي والعربي علي الشعب الفلسطيني في غزة واقتصرت عمليات فك الحصار علي عدد من منظمات المجتمع المدني العربية والأوربية..
 فكانت قوافل "شريان الحياة" التي نظمها "جورج جالاوي" النائب في مجلس العموم البريطاني والتي تم تعطيلها وعرقلتها من الوصول إلي غزة كما تم منع كل محاولات فك الحصار عن طريق البحر ..
 فقامت إسرائيل بتهديد السفن وإطلاق الرصاص عليها كما حدث لسفينة "روح الإنسانية" القادمة من قبرص إلي غزة .


وإذا كان الحصار الإسرائيلي معروفاََ دوافعه فان المرء ليعجب من قيام الحكومة المصرية بمضاعفة الحصار علي أهل غزة وبناء جدار فولاذي عازل علي الحدود معها بحجة الدفاع عن الأمن القومي المصري,
 وفي الوقت الذي يحتفل فيه العالم بسقوط الجدران العازلة مثل "جدار برلين"  تحتفل حكومة مصر ببناء الجدار وكأن فلسطين في حاجة إلي جدار آخر يضاف إلي جدار" شارون" ليتم حصر إخواننا في فلسطين بين الجدارين وهكذا انتهي الأمر بالحكومة المصرية بدلا من "كسر الحصار" إلي "كسر غزة" وبدلا من "الرصاص المصبوب" الذي أطلقته إسرائيل إلي "الفولاذ المصبوب" علي الحدود مع غزة .
إن الحديث عن الأمن القومي المصري في هذه الحالة هو حديث عبثي  لا يمت للواقع بصلة ..
لأن غزة  كانت قبل احتلالها عام 1967 تحت سلطة وإدارة مصر وعليه كان الأجدر بمصر أن تتحمل مسئوليتها التاريخية فضلا عن واجبها الوطني والديني والأخلاقي عن أمن غزة وحمايتها وخاصة أنها لم تشكل خطراََ في يوم من الأيام علي مصر بل إنه في ذروة الاعتداء عليها من قبل الصهاينة كان المتوقع أن تندفع الألوف نحو الحدود المصرية فراراََ من الموت كما يحدث في كل بلدان الدنيا التي تعاني من الحروب إلا أن ذلك لم يحدث ووقفت شرطة القطاع تحرس الحدود مع مصر وتؤمنها فممن وعلام تخاف مصر إذن ؟!


إن أبناء غزة لا يمكن أن يهددوا أمن مصر لأن أمن مصر وشعبها هو عمقهم الاستراتيجي وسندهم الأساسي الذي قدَّم آلاف الشهداء انتصارًا لقضيتهم،
ولا يريد أهل غزة أن يعيشوا على الأنفاق التي اضطرهم الحصار لحفرها،
 بل يريدون فتحًا منظمًا وطبيعيًا للمعبر تُطبَّق عليه قوانين مصرية كما يحدث في أي منفذ حدودي آخر .
إن الفلسطينيين عندما اقتحموا معبر رفح في انتفاضة الجوع قبل عام ونصف لم يسرقوا رغيف خبز واحد وهم الجوعى، بل تصرفوا بطريقة حضارية لم يتصرف مثلها أبناء " لوس أنجلوس" الذين مارسوا السلب والنهب أثناء انتفاضتهم ضد الشرطة الأمريكية .


إن غزة تمثل حائط الصد بالنسبة لمصر،
 فهي التي تؤمن ظهرها وتحميه من العدو الصهيوني, وعلى الذين يرددون نغمة الأمن القومي أن يكفّوا عن هذا الحديث لأنه مهزلة بكل المقاييس, وعلى حكومة مصر أن تراجع نفسها لأن ما يجري إنما يقطع شريانًا آخر للاتصال بين مصر والشعب الفلسطيني ويولِّد مشاعر من الكراهية سوف تمتد لأجيال قادمة .


إن الوقوف مع غزة ونصرتها وفك الحصار عنها هو عين الدفاع عن الأمن القومي المصري،
 كما أن التخلي عنها يعرِّض أمن مصر ومصالحها للخطر الصهيوني، إن أعداءنا لا يعرفون الصداقة وليس لهم عهد ولا ذمة، والمسألة عندهم مسألة وقت فأمس فلسطين والعراق وأفغانستان وغدَا تكون مصر .
ألم يهدد " ليبرمان " وزير خارجية إسرائيل الحالي بضرب "السد العالي" وإغراق مصر بمياه النيل؟, ألم يطالب "عورين بنيون" مدير مكتب "بيجن" بإعادة احتلال سيناء وتقسيم مصر إلى ثلاث دويلات؟, ألم يقل "ديفيد عبرى" نائب وزير الدفاع إن معاهدة مصر مع إسرائيل مؤقتة؟، ومن الذي اعتدى علينا في حربين متتاليين في 56، 67 أليست إسرائيل ؟!
وواجبنا أن نتحرك لنصرة إخواننا في فلسطين لنصرة أنفسنا والحفاظ على أمننا القومي المهدد من قبل الصهاينة .


 إننا نهيب بأحرار العالم وشعوب الأمة العربية والإسلامية أن تهب لنصرة غزة ورفع الحصار عنها ..
إنفاذًا لقول الله عزل وجل: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ" (التوبة : 71)،
 وقوله تعالى : "وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ " (الأنفال : 72) .
وقول رسولنا عليه الصلاة والسلام :
 "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره"،
 وقوله صلى الله عليه وسلم : "من أُذِلَّ عنده مؤمن فلم ينصره وهو قادر على أن ينصره أذله الله عز وجل على رءوس الخلائق يوم القيامة" .


ومع كل ما نفعله من نصرة لإخواننا في غزة وفلسطين ينبغي أن نكون على ثقة كاملة في أن النصر آتٍ لا ريب فيه، وأن العاقبة للتقوى وأن الباطل زاهق زائل،
 وأن نعلم أن هذه الآلام والنكبات التي تنزل بالمسلمين هي بمثابة (المخاض) الذي يسبق (الميلاد) أو الظلام الحالك الذي يسبق بزوغ الفجر، وضعف هذه الثقة أو غيابها دليل على ضعف الإيمان ..
"إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"  يوسف : 87.


هذه الثقة أيها الأخوة الأحباب هي زاد المجاهدين في كل الميادين،
فإذا أصاب اليأس والإحباط ضعاف العزائم والبصائر ولم يروا إلا المقدمات التي لا نهاية لها ورفعوا راية (إنا لمدركون) الشعراء : 61،
 كان شعار الواثقين: "كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ" الشعراء : 62، "لا تحزن إن الله معنا" التوبة: 40 .


وإن خاف غيرهم من مكر الأعداء وتخطيطهم اطمأنوا إلى قوله تعلى : "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ‏""" الأنفال : 30،


 وإن خوفوهم من سلاح العدو وعدته تسلَّحوا يقوله تعالى : "فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى " الأنفال : 17


وإن خوفوهم بمنع الإعمار والغذاء والدواء والتضييق والإفقار استعانوا بقوله تعالى : "وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ ... " المنافقون : 7


وأوجه ندائي إلي كل مسلم :
قضية فلسطين قضية عقيدة  وقيم ومثل، عليكم بصادق الدعاء في السحر فسهام السحر لا تخيب، التخلي عن الاهتمامات الفارغة والتحلي بالجد، الوعي بالقضية ونشرها ما استطعتم  وتحسين الصلة بالله والثقة في نصره وتأييده .


وندائي إلي الحكومات :
إلي متي التدابر والتناحر وضياع الهوية والغاية، أنتم مسئولون بين يدي الله، اعمدوا إلي ما يرضي ربكم ويصلح شأن أمتكم، وحِّدوا رايتكم  واحذروا عدو الله وعدوكم .


 وندائي إلي أهلنا  في غزة :
اصبروا وصابروا ورابطوا واعلموا أن النصر مع الصبر والأيام دُوَل "وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ " آل عمران 140 ،
 وسوف تسقط الجدران ويندحر العدوان ويعلو الحق ويذهب الباطل هباءً  " فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ "  الرعد 17 


والله أكبر ولله الحمد، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
القاهرة فى : 14 المحرم 1431هـ الموافق  31 ديسمبر2009م


المصدر /  نافذة مصر 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق