﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (البقرة: 142).
في شهر شعبان من كل عام تمر علينا ذكرى عطرة.. ذكرى تحويل القبلة، ذلك الحدث الذي ربط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى برباط قوي من التعظيم والإجلال لأبد الآبدين، فالنبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وهو بمكة كان يتجه نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه، وقد كان دائمًا يشعر بالحنين إلى الكعبة المشرفة.فما كاد ينتهي من صلاته حتى يرفع بصره إلى السماء، ويقلب نظره فيها، وفي قلبه رغبةٌ أن يجعل الله قبلته تجاه أول بيت وضع للناس، فنزل قوله تعالى:
﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ (البقرة: من الآية 144) فاطمأن قلبه- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- بذلك (1).
لكن ما منزلة المسجــد الأقصــى؟! وكيف نظـر الإســلام إليه؟!
المسجد الأقصى بوابة الأرض إلى السماء، ومدينة الأنبياء، وزهرة المدائن، ليلها صلوات، ونهارها كدح ودعوات، زيارتها سنة، وتحريرها فرض، فهو:
- أولى القبلتين
- ثالث الحرمين الشريفين
- مسرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
- الصلاة فيه بخمسمائة صلاة..
روى الإمام أحمد أن السيدة ميمونة سألت رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- فقالت:"أفتنا يا رسول الله في بيت المقدس؟!" قال: "أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه؛ فإن صلاةً فيه بخمسمائة صلاة".
- وقد ورد ذكره في القرآن الكريم في قوله تعالى:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (الإسراء: 1).
- أرض فلسطين التي بها المسجد الأقصى هي الموصوفة في القرآن بالأرض المقدسة، قال تعالى حكايةً عن موسى عليه السلام وهو يخاطب قومه:
﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ (المائدة: 21).
- ثالث المساجد التي تشد إليها الرحال؛ حيث قال- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى" (البخاري).
- وهو من المساجد التي لا يدخلها الدجال.
- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- قال: "لا تزال عصابةٌ من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم من خذلهم ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة" (رجاله ثقات) (2).
- قال تعالى فيه:
﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ هذه البركة حسيةٌ ومعنويةٌ، فما مِن موضع قدم فيه إلا صلى عليه نبي أو رسول (3)، وقد تعاقبت عليه أنبياء الله يقيمون فيه مكان العبادة والمحاريب:﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا﴾ (آل عمران: من الآية 37) وفي الحديث عند أحمد والترمذي
"أن يحيى بن زكريا- عليهما السلام- أمره الله بإبلاغ بني إسرائيل أوامرَه "فجمع الناس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد وقعدوا على الشُّرَف"(4).
- قال عنه أنس ابن مالك: "إن الجنة لَتَحِنُّ شوقًا إلى بيت المقدس"، وقال عنه عبد الله بن عمر: "بيت المقدس بنته الأنبياء وعمرته الأنبياء وما فيه موضع شبر إلا وقد سجد عليه ملك فلعل جبهتك توافق جبهة ملك أو نبي".
ومهما طال الزمن، فإن للظلم نهاية، ولا بد أن ينتصر الحق، وعلى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يتحدوا، وأن يتآزروا وأن يتركوا الخلافات فيما بينهم وأن يعلموا بأن المسجد الأقصى أمانة في أعناقهم فعليهم أن يخلصوه، وأن يعيدوه إلى ما كان عليه، فاليهود لا يعرفون للمقدسات مكانتها ولا حرمتها، وصدق الله تعالى حيث يقول:
﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: 40) (5).
----------------
(1) مجلة (المجاهد) العدد (220) المسجد الأقصى للأستاذة/ جيهان محمد مرسي.
(2)، (4) (القدس واليهود والدجال) لفضيلة الشيخ/ عبد الخالق الشريف.
(3)، (5) مجلة (الرسالة) العدد (4) دروس مستفادة من الإسراء لفضيلة الشيخ/ فكري حسن إسماعيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق