بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد أصفى الناس قلبا وأرقهم فؤاداً وأنداهم يداً، أما بعد:يقول الله عز وجل في محكم كتابه العزيز "ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سررٍ متقابلين (47)" في هذه الآية الكريمة بين الله عز وجل منزلة عباده المتقين وبين حالهم، وما هم فيه من نعيم مقيم وأنهم ما بلغوا ما هم فيه إلا لأنهم كانوا لا يحملون الحقد والغل لإخوانهم لأن الغلي والحقد جرثومة خطيرة تؤدي بصاحبها إلى غضب الله عز وجل.
فإن الله عز وجل ينظر إلى العباد من خلال قلوبهم، فإن كان المرء نقيا من الغش والضغينة بريئا من العوج والغل أقبل الله عليه برحمته، وضاعف نصيبه من بركته، وأما إذا كان محصورا في مطامعه ضائقا بخير الله عن خلقه فهيهات أن يصح له عمل أو ينجح له أمل.
فالمسلم إنسان حقا تمتد مشاعر حبه فتغمر ما حوله، وتفيض على الآخرين سلاما، وأمنا، والجماعة المسلمة حقا هي التي تقوم على عواطف الحب المشترك، والتعاون المتبادل المجاملة الرقيقة، لا مكان فيها للفردية المتسلطة بل هي كما وصف القرآن الكريم "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا وللاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم (10)"
وكثيرا ما تطيش الخصومة بألباب دويها فتتدلى بهم إلى اقتراف الصغائر المسقطة للمروءة والكبائر الموجبة للعنة، وعين السخط تنظر إليهم من زاوية داكنة حيث تعميهم عن التحلي بالفضائل وتحثهم على اقتراف الرذائل.
فإن الخصومة عادة لا تكون إلا بين متخاصمين أحدهما ظالما والآخر مظلوما، فإن كان الظالم عاديا على غيره، ناقصا لحقه فينبغي له أن يقلع عن ظلمه، وأن يصلح سيرته، وليعلم أنه لن يستل الضغينة من قلب خصمه إلا إذا عاد عليه بما يطمئنه أو يرضيه، وقد أمر الإسلام الظالم أن يستسمح صاحبه، ويطيب خاطره.
ففي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضٍ أومن شي فليتحلل منه اليوم من قبل ألا يكون دينارا ولا درهم فإن كان له عمل صالح أخُذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحُمل عليه، هذا الذي يكون ظالما، وأما الذي يكون مظلوما فيجب أن يتنازل عن شيء من حقه إذا اعتذر إليه صاحبه، وطلب منه العفو، لأن رفض الاعتذار، وعدم قبوله خطأ كبير.
وفي الحديث الشريف يقول النبي صلى الله عليه وسلم " من اعتذر إليه أخيه المسلم فلم يقبل منه كان عليه مثل خطيئة صاحب مكس" وفي رواية أخرى? من تفضل إليه فلم يقبل لم يرد على الحوض، أي حوض النبي يوم القيامة ".
وبهذا الإرشاد النبوي للطرفين جميعا يحارب الإسلام الأحقاد ويقتل جرثومتها في مهدها ويرتقي بالمجتمع المؤمن إلى مستوى رفيع - ويرسي قواعد الحب والسلام والأمن والأمان، لأن الإسلام قد بين أن الحقد صفه الطبقات الدنيا من الخلق، وأن ذوي المروءات يتنزهون عن ذلك.
وفي ذلك يقول الشاعر، محذرا من الحقد والغل:
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتبُ
ولا ينال العلا من بطبعه الغضبُ
وسلامة الصدر فضيلة تجعل المسلم لا يربط بين حظه من الحياة، ومشاعره مع الناس، ذلك أنه ربما أخفق حيث نجح غيره، وربما تخلف حيث سبقه الآخرين، فإن المسلم يجب أن يكون أوسع فكرا وأكرم عاطفة، فينظر إلي الأمور من خلال المصلحة العامة لا من خلا شهواته الخاصة، وبهذا يكون صدره خاليا من الحقد والغل والحسد، ولهذا بشر النبي صلى الله عليه وسلم الأنصاري بالجنة حيث إنه كان يبيت ليله، وليس في قلبه غل أو حقد على أحد.
وبهذا يتمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف" إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب".
وذلك لأن الحسد صفة ذميمة قد يقتل صاحبه. يقول الشاعر في ذلك:
اصبر على حسد الحسود
فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها
إن لم تجد ما تأكله
فالإنسان الحسود هو الذي يتمنى زوال النعم عن الآخرين، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغل والحسد، وبين أنهما لا يجتمعان مع الإيمان قي قلب العبد المؤمن، ويقول النبي في ذلك" لا يجتمع في جوف عبد غبارُ في سبيل الله، وقبح جهنم، ولا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد"، وإننا في هذا المقام ندعو شعبنا الفلسطيني الصامد على أرض الرباط إلى الوحدة ورص الصفوف وترك الأحقاد وتفويت ما يبيت الأعداء لنا من نوايا سيئة خطيرة تؤدي إلى نشر الأحقاد والاقتتال بين أبناء الشعب الواحد وأن يقف شعبنا وقفة رجل واحد في وجه كل من يفتعل المشاكل ويثير الفتن التي الهدف منها إظهار هذا الشعب أمام العالم في غير صورته المشرقة
وفي الختام نسأل الله العلي القدير أن يطهر قلوبنا من الغل والحسد ويجعلنا إخوة متحابين على الخير متعاونين
إنه على ما يشاء قدير، وهو نعم المولى ونعم النصير.
فضيلة الشيخ /
حسن أحمد جابر- مفتي محافظة رفح -
عضو مجلس الإفتاء الأعلى / فلسطين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق